شيخنا الفاضل؛ هل تذكرنا بقيمة الوقت، وكيف نستغل الصيف في التعبد والإحسان إلى الله وتزكية النفس، لتعويض أيام انشغالنا في العمل والدراسة؟، ولماذا الصيف هو الذي نخطأ فيه دائما؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أختنا الفاضلة تقوى:
جزاك الله خيرا على هذا السؤال الهام في حياة الشباب والشابات حفظهم الله. فالشيطان لا يترك الإنسان سواء في الصيف أو في غيره، ولكن هناك أوقات تضيق فيها أخلاق الناس، مما يمكن الشيطان من السيطرة عليهم.
فالصيف يمتاز بعدة عوامل تعين الشيطان على الإنسان:
1. فالصيف بما فيه من حرارة لا تطاق عند كثير من الناس، يجعل خلقهم يضيق أيضا، فالطلاق يزيد بين المتزوجين في الصيف بنسبة عالية، والسبب: أن المشادات بين الزوجين لا يتحملها الطرفان نظرا للحر وضيق الخلق.
2. شدة الحرارة تجعل الناس تتخفف من ثيابهم، ويكثر فيه العري للأسف، وكأن الحشمة مرتبطة بمناخ وطقس معين.
3. الصيف مرتبط بالإجازة عند الناس، وكثير من الناس يفهم، بالخطأ، أن الإجازة خارج إطار الحلال والحرام، فهي نزهة وفسحة، ويقولون: لماذا نضيق على أنفسنا ؟
4. في الصيف تضعف العزائم، لذا كان الحر من الأعذار التي تعذر بها الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ }(التوبة:81).
هذه بعض العوامل المتوفرة في الصيف التي تكثر من المعاصي، على خلاف بقية فصول العام، فبقية الفصول وقت الإنسان فيها مملوء بالعمل والدراسة، وليس معنى ذلك أن السيئات تقل في غير الصيف، ولكن الصيف بطبيعة الفراغ فيه والحرارة من الوسائل التي ينفذ منها الشيطان للإنسان.
أختنا تقوى:
الشباب في هذه الفترة يجمعون عدة أمور، حري بهم أن يستغلوها استغلالا كبيرا في طاعة الله ومرضاته:
أولا: جمعوا الوقت الذي هو أثمن ما يمتلكه الإنسان المسلم في هذه الحياة، يقول عنه الماديون: الوقت من ذهب، والذهب قد يعوض عند خسارته، ولكن الإسلام يعلمنا أن الوقت هو الحياة، فحياة الإنسان ما هي إلا هذه الثواني والساعات، والأيام والشهور والسنين. وقد قال في ذلك الحسن البصري -رحمه الله-: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب جزء منك. وهو أول ما يحاسب عليه المرء، ويحاسب عليه مرتين. يقول صلى الله عليه وسلم: لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، منها: وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه؟
ثانيا: جمعوا إلى جانب الوقت الفراغ، الذي قال عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".
ثالثا: الشباب، بما فيه من خصائص مهمة، منها: الحيوية والنشاط، والذهن المتقد، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم مرشدا إلى أهمية الشباب في نصرة الدين: "نصرني الشباب".
هذا عن أهم ثلاث فوائد اجتمعت في الشباب الآن، ولذا كان عليهم أن يوظفوا هذه الفوائد وهذه الطاقات، توظيفا مفيدا يعود بالنفع عليهم في دينهم ودنياهم.
ومما أنصح به الشباب في هذه الفترة لملء فراغهم الآتي:
1. تلاوة القرآن، وحفظ ما يستطيع الإنسان منه، فالإجازة فرصة لا تعوض في هذا الأمر، وأنصح باللجوء إلى مراكز التحفيظ؛ فهي خير معين في ذلك، ووضع برنامج للتلاوة والحفظ والمراجعة، يعزم فيه الإنسان على إنهاء قدر معين من القرآن وحفظه.
2. اغتنام فرصة أننا الآن في شهر (شعبان) وما فيه من فضل الصوم، ويسن فيه الإكثار من الصوم، ولو على الأقل الاثنين والخميس.
3. عمل الخير والبر في المجتمع، فهناك من يفهم خطأ أن التعبد وتزكية النفس معناها الصلاة والتعبد وفقط؛ بل هناك من أعمال البر ما هو أكثر أجرا، وحبذا السعي في قضاء حوائج الناس، كما ورد في الحديث: أن أحد الناس أتى عبد الله بن عباس وكان معتكفا في مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، فقطع ابن عباس اعتكافه، فتعجب تلامذته منه، فقال لهم وقد اغرورقت عيناه بالدموع: روينا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من مشى في حاجة أخيه قضيت أم لم تقضَ كان له أجر اعتكاف عشر سنين في مسجدي هذا". والحديث حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير.
وختاما؛
لابد من وضع برنامج في هذا الصيف، كل حسبما يناسبه، يعمل فيه من وجوه الخير ما يستطيع، ويوظف وقته كما أمر الله، بين القراءة والتعبد واللهو المباح.. وفقك الله لما يحب ويرضى .. وتابعينا بأخبارك.